صراحة نيوز – عوض ضيف الله الملاحمة
لست مع الإخوان المسلمين ، ولم أكن في يوم من الأيام على إنسجام معهم . لأسباب عديدة منها : ان العلاقة بين المسلم وربه لا تحتاج الى وسيط ، ولا الى تحزُّب . كما انني اتحفظ كثيراً على عالمية التنظيم ومركزيته الشديدة المُبهمة . يضاف الى ذلك تحفظي على عدم اعترافهم في الأوطان ، ورفضهم الإنتماء اليها . كما كان يسوؤني تكفيرهم للمنتمين للفكر القومي .
لكن الإخوان في الأردن تغيروا ولو قليلاً . واعتقد انهم في بداية انسلاخهم عن التنظيم العالمي ، وجنحوا للتوطين بشكل ملحوظ ولو ببطء ، وربما يستغرق ذلك وقتاً ، والسبب يعود الى تعقيد الإنفكاك عن التنظيم الأم المتشدد .
كما انني ألاحظ ان التنظيم يتأثر كثيراً بقناعات المراقب العام . وربما تركز نهج الجنوح للوطنية بشكل واضح بتسلُّم الشيخ / مراد العضايلة موقع المراقب العام . ولكون الشيخ / مراد إبن قريتي ، وتربطنا بعائلته وعشيرة العضايلة الكرام النسب ، والجيرة الممتدة لأكثر من ( ١٥٠ ) عاماً ، أي منذ ان كان جَدُّ جَدِّي ، وجَدُّ جَدِّهِ جيران . وبيتهم يبعد عن بيت والدي
أقل من ( ٢٠٠ ) متر ، وتم إنشاء البيتين عام ١٩٥٢ . وأعرفه تمام المعرفة هو وكافة اخوته ووالدهم ووالدتهم عليهما رحمة الله . وأعرف عمق إنتمائه للأردن . كما أعرف عن قُرب قيمه ، واخلاقه ، واستقامته ، وتمسكه بكل خصال الرجال الأصيلة . كما اعرف تصدّيه لأية إساءة يمكن ان تمس الوطن .
واستناداً الى القاعدة الإسلامية العظيمة الواردة في القرآن الكريم ، التي تقول بعد بسم الله الرحمن الرحيم : (( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ، وتوكل على الله ، إنه هو السميع العليم )) ، صدق الله العظيم . فما دام هناك محاولة للإبتعاد ، ولو بشكل تدريجي عن تنظيم الإخوان العالمي ، وبدء تجذر توطين التنظيم ، فلماذا ضاق صدر الدولة الأردنية الذي إعتدنا عليه رحباً !؟
وهنا أتساءل : لماذا لم تنفذ الدولة الأردنية قرار محكمة التمييز القطعي !؟ ولماذا جمدت القرار لأعوام !؟ أليس هذا دليل أكيد على سعة صدر الدولة الأردنية — الذي تربينا عليه — تجاه هذا التنظيم ؟ إذاً ما الذي تغير ؟ ثم هل وجهت الجهات المختصة لهم إنذاراً بضرورة تصويب اوضاعهم بعد صدور القرار ؟ أقول هذا لأن الدولة الأردنية كانت تحتضن التنظيم ، وهو الحزب الوحيد الذي سُمح له بفتح مكاتب وممارسة نشاطاته الحزبية بالعلن منذ عام ١٩٤٥ .
علينا ان ندرك ان التنو ع الحزبي والاتجاهات الحزبية فيه إثراء للطيف السياسي ولمسيرة الوطن ، وهو دليل أكيد على إحترام الإختلاف . لذلك فانني اعتبر ان حظر جماعة الإخوان المسلمين ليس فيه مناعة للجبهة الداخلية الأردنية .
كان علينا إنتظار إنتهاء التحقيقات لتظهر الحقيقة . لنتبين فيما اذا كانت الخلية قد تصرفت بشكل فردي ، او انها إنشقت عن الحركة ، او ان تنظيم جماعة الإخوان هو من اوجدها . لماذا لم نصبر حتى تقول المحكمة كلمتها !؟ وفيما لو ثبت إنشقاق الخلية لاكتفينا بمحاكمة أعضائها فقط ، ليتم تبرئة التنظيم ، بدل ان نأخذ ( الصالح في عروا الطالح ) .
على فِكرة ، من اليوم ، أرى ان وجه الأردن قد تغير ، وشاب الأجواء غمامة سوداء . اليوم حدثت إنتكاسة ، وتراجع لمدّ الإصلاح السياسي الهش أصلاً . اليوم أعلنا عن عجزنا في السير قُدماً بمسيرتنا الديمقراطية . اليوم طُعنت مسيرتنا الديمقراطية في مقتل . اليوم تراجعنا بدل ان نتقدم .
أنا ضد الخلية التي تم الكشف عنها . وضد اي عمل يقوم به فرد ، او جماعة ، او اي حزب لا يريد بالأردن خيراً . لكن ما اقدمت عليه الخلية من الممكن ان تقوم به مجموعة من الأفراد دون ان يكون لهم إرتباط بأي حزب . كما انه من الممكن ان تقوم به مجموعة من الأفراد مرتبطة بأية دولة تريد بالأردن شراً .
مما نُشر يبدو ان الخلية مرتبطة بمجموعة محدودة من تنظيم الإخوان ، لكن لم يتبين هل هذا الدعم من التنظيم الداخلي ام من أحد فروع الإخوان الخارجية . وأنا أميل الى ذلك إستناداً لبعض التداعيات التي ظهرت ، ومنها بيان حركة حماس .
بعد إتخاذ قرار الحظر ، وتنفيذه نتساءل ما إنعكاس ذلك على مسيرتنا الديمقراطية الوليدة ؟ وما مصير حزب جبهة العمل الاسلامي المرخص الذي حصد ( ٣١ ) نائباً ؟ وهل يمكن ان يؤدي ذلك الى حلّ مجلس النواب ؟
لا أدري ، لكنني أستغرب ، لماذا ضاق صدر الدولة الأردنية لهذا الحد غير المسبوق من حزبٍ تمكنت من إحتضانه لأكثر من ( ٨٠ ) عاماً ؟ بينما كان أصحاب الفكر الإشتراكي والقومي يواجهون اقسى ، وأقصى اجراءات التضييق .
صحيح ان علاقة الإخوان المسلمين مع الدولة شهدت مراحل من الشد والجذب والتوتر لكنها كانت كلها تحت سقف الوطن الذي يلتقي الجميع عليه ، ويستظلون بظله .
اعتقد ان عدد افراد الخلية للآن لم يزد عن ( ١٦ ) شخصاً . ويمكن ان يُقرأ منه انهم إنشقوا ، و انفردوا ، وستنجلي الحقيقة أمام قضائنا العادل .
بالنسبة لي أرى ان مصلحة الوطن تكمن في احتضانهم ، بدل حظرهم . لأن نشاطاتهم ستكون معروفة ومكشوفة ، وتتم في العلن ، ومعظمها تتم بموافقات رسمية . وهذا افضل من ان نتفاجأ يوماً بتحوله الى تنظيم سرّي ، يعمل تحت الأرض ، وفي السرية تكمن البلية .
على فكرة ، لا يمكن لوطن مثل الأردن نسبة التعليم فيه عالية . وأعداد المثقفين تضيق بهم الساحات ان يكون شعبه محدود الألوان ، والتوجهات ، والأفكار ، والتطلعات ، والتنظيمات . جمال الأردن يكمن في فسيفسائه الفريدة ، و تنوع ثقافاته ، واعراقه ، ومنابته ، وأصوله ، وتنوع بيئاته ، ومناخه ، من سهوله الممتدة ، الى جباله الحادة ، وصحرائه القاسية ، وأغواره المشمسة ، وتعدد ألون بشرة سكانه .
في التنوع حياة ، وثراء ، وإثراء ، وثروة ، وجمال ، كجمال بهاء الربيع الذي يكمن في تعدد ألوان وروده . وأستدل بأية من القرآن الكريم ، حيث يقول رب العزة ، بعد بسم الله الرحمن الرحيم (( ومن آياتهِ خلقُ السماواتِ والأرضِ واختلاف ألسِنتكم وألوانكم إن في ذلك لآياتٍ للعالمين )) صدق الله العلي العظيم .
لماذا تخلت الدولة الأردنية العميقة عن نهجها التكتيكي السابق ، برعاية إحداث إنشقاقات في تنظيم الإخوان كالذي قام به الشيخ / ارحيل الغرايبه عام ٢٠١٥ بما سُمي بمبادرة زمزم ؟ حيث عالجت الأمر دون صِدام كما حصل في أقطار عربية أخرى .
وأختم وأقول ، اتمنى ان لا يكون سبب حظر الإخوان المسلمين تأثراً ب ، او إستجابة ل ، او تماشياً مع الموقف الإقليمي الرافض لوجودهم ؟