صراحة نيوز ـ عوض ضيف الله الملاحمة
أُقسم بمن خلق الأرض والسما ، ثم اعتلى ، لو ان بإمكان الأردن تحرير فلسطين ، دون ان يتضرر الأردن وجودياً ، لتسابق الأردنيون على تحريرها . ولكان الأردنيون أول ، وأصلف ، وأشجع العرب للقيام بهذه المهمة العروبية المُشرِّفة . وقد سبق للأردنيين ان قدّموا عندما خُدِعوا من منظمة التحرير الفلسطينية بأن هدفها الوحيد الأوحد هو تحرير فلسطين . لكن استباحة الأردن لن تحرر فلسطين الحبيبة .
يا ناس ، استباحة الساحة الأردنية ، والله لن يفيد فلسطين مطلقاً ، بل سيزيد وضع القضية سوءاً ، وتعقيداً . وعلينا الإعتبار مما حصل في لبنان . ما نتيجة استباحة لبنان لأربعة عقود !؟ هل استباحة لبنان عاد على القضية الفلسطينية بشيء !؟ هل هناك نتيجة غير الدمار الذي حلّ بلبنان ؟ لبنان ذلك البلد الذي كان باريس الشرق في تحضره ، وتميزه ، ورقيه ، وجماله ، كيف هو الآن !؟
ساءني كثيراً جهل حماس ، وسوء نيتها المبيتة للأردن في بيانها السطحي ، السلبي ، الذي كان له أضراراً عديدة ، وليس له حسنة واحدة ، مع كل الأسف .
حماس التي دعمناها ، وأيدناها ، مع أننا نعرف نواياها ، وقلنا كله يهون في سبيل فلسطين . نعم أيدناها رغم إرتباطها الوثيق اللصيق في أحد أعداء الأمة العربية المتمثل في ايران الفارسية ، التي تضمر كل أنواع الشر والحقد ضد كل ما هو عربي . والتاريخ الفارسي يشهد على تخلي ايران عن العديد من حلفائها عند تحصيلها مكسباً واحداً . وها هو الواقع الحالي قد أكد صحة ذلك . حيث تخلت ايران عن حماس ، وتركتها معلقة . اما قصة ايران مع حزب الله ، فانه يتعدى كل ذلك ، لما ظهر من خيانات ايرانية للحزب ، وتسليم العدو الصهيوني كافة المخططات والمواقع السرية ، بل وزودت العدو بمعلومات عن كافة القيادات ، حتى تمكن العدو من حصدهم جميعاً في عدة أيام . دعم ايران لحماس لم يكن اكثر من وسيلة لغاية وحيدة تتمثل في كسب مواقف تفاوضية مع الغرب .
وهنا سوف أُلقي بعض الضوء على التصريح الصحفي الذي اصدرته حركة حماس بخصوص الخلية السرية التي تم كشفها في الأردن وهي تقوم بصناعة صواريخ وطائرات درون مؤخراً :—
إسمعوا المقدمة : (( المعتقلون الأردنيون عبّروا عن ضمير الأمة نصرة لغزة والقدس .. وندعو للافراج عنهم وتقدير دوافعهم الوطنية )) . حماس تؤكد انهم معتقلون أردنيون . فما داموا أردنيين ما شأنكم !؟ ألا يعتبر ذلك تدخلاً وقحاً ينم عن جهل وتعدٍ على سيادة قُطر عربي !؟ وتدعو الحركة للإفراج عنهم وتقدير دوافعهم الوطنية . كيف يمكن الإفراج عنهم وقضيتهم منظورة أمام القضاء الأردني !؟ وما داموا أردنيين ، وحماس فلسطينية ، هل وصف دوافعهم بالوطنية جهل أم خُبث !؟ اذا صحت نية حماس يفترض ان تكون دوافعهم قومية . إلا إذا كانت تغمز بغير ذلك . وهنا أطرح سؤالاً : هل تدخلت الأردن في قتل حماس لمئات الفلسطينيين ، منذ عام ٢٠٠٦ ، مع ان التصفيات الجسدية تمت بطرق وحشية بدائية إجرامية ، وبدون محاكمات ولو صورية !؟
ثم تقول حماس في بيانها : (( بعد ان اطلعت حماس على مجريات وتفاصيل القضية .. الخ )) . بداية كيف اطلعت حماس على تفاصيل القضية !؟ وهل الخلية مرتبطة بها !؟ وهل ما زال هناك اعضاء في الخلية لم يتم القاء القبض عليهم ويزودون حماس بالتفاصيل !؟ يفترض ان حماس لا تعلم الا بما تم نشره ، وما زال للقضية إرتداداتها ، وان هناك الكثير من التفاصيل لم تُعلن ، حسبما اعلنت الحكومة الأردنية .
ثم جاء في البيان : (( نؤكد ثقتنا بأن اعمالهم جاءت بدافع النصرة لفلسطين .. دون ان تستهدف بأي حال من الأحوال أمن الأردن واستقراره .. )) . وهنا أتساءل : على ماذا بنت حماس ثقتها باهدافهم !؟ تكرار هذه الثقة يشي بأن هناك إرتباطاً بين الخلية وحماس . ثم عندما تقوم خلية سرية بتصنيع صواريخ وطائرات درون ، دون علم الحكومة الأردنية وموافقتها ، كيف لا يمس هذا العمل الخطير أمن الأردن واستقراره !؟ وكيف يُصان استقرار الأردن وهناك سلاح بغير يد الحكومة !؟
ويقول البيان : (( ان دعم المقاومة الفلسطينية هو واجب قومي واخلاقي وحق تكفله كل القوانين الدولية ، ولا ينبغي ان يدان او يجرم ، بل يُحتفى به ويُشكر اصحابه .. )) . لا أدري هل هذا سذاجة أم خُبث !؟ نعم دعم المقاومة واجب قومي ، لكن آلية الدعم يفترض ان تتم وفق الأصول ، وبما لا يضر بالداعم . ثم كيف تدعو حماس لأن يُكرّم بدل ان يُجرّم من ينشيء خلية تصنيع اسلحة ثقيلة في داخل الدولة دون عِلمها !؟ ويُكرّم كمان !؟
وفي ختام البيان تدعو حماس الى الإفراج الفوري ، لاحظوا : الإفراج الفوري عن خلية تقوم بتصنيع أسلحة ثقيلة في دولة مساندة للقضية دون علمها !؟ يا لهذا السخف ، بل يا لهذا الخُبث بإستخدام صيغة أمر مبطنة مُغلفة بشيء من التهديد .
يامن صِغتم البيان في حركة حماس ، لا أدري هل أشفق عليكم لسذاجتكم ، ام أُحذر من خُبثكم !؟ والأخطر ان البيان يتضمن تشجيع حماس وموافقتها المبدأية على ان يتم تصنيع أسلحة ثقيلة في الأردن — دون عِلم الدولة — لدعمها . وبعيداً عن الإستهداف ، ماذا لو حصلت أخطاء اثناء التصنيع ، او التخزين ، او النقل ، او الجهل في التعامل مع هكذا أسلحة ، وأدى الى حدوث إنفجارات في مناطق مأهولة !؟ ثم ، كيف يمكن ان تستفيد المقاومة من صواريخ مداها ( ٣ – ٥ ) كم !؟ والأهم : كيف يمكن إدخال صواريخ وطائرات درون للأراضي المحتلة ، والحدود مسيجة بأحدث انواع التكنولوجيا وبأجهزة ترصد ( الصوص ) الذي يحوم في الجو !؟ وأيضاً : ألا يفترض ان يخطر ببال حماس التي تحترف النضال ان هذه الخلية مدعومة من جهة خارجية ، كالعدو مثلاً لخلق فوضى عارمة في الأردن تقوض أركان الدولة ، لتسنح الفرصة للعدو لتنفيذ أهدافه العدائية ضد الأردن !؟
أعرف ، وأُدرك جيداً ، ان هناك جهات ، ومجموعات ، وأفراد يتمنون ، بل ويعملون على إستباحة الساحة الأردنية . وان هؤلاء لديهم قناعة راسخة بأن الأردن لا تعني لهم شيئاً ، وان ضياع الأردن بعد ضياع فلسطين ، هو مطلب ، بل هدف ثمين وصيد جزل يسعون اليه . ومن جهلهم ، او ربما حقدهم لا يعرفون انهم يلتقون مع العدو الصهيوني بهذا الهدف وهذه الغاية .