صراحة نيوز ـ افتتح وزير الثقافة، مصطفى الرواشدة، اليوم الثلاثاء، في المركز الثقافي الملكي، المؤتمر الدولي الأول لدائرة المكتبة الوطنية بعنوان: “المكتبات الوطنية ودور المحفوظات ودورها في حفظ الذاكرة الوطنية في بيئة رقمية متغيرة”، والذي تنظمه المكتبة، بمناسبة مرور 50 عاما على تأسيسها.
ويترأس المؤتمر، الذي يستمر ثلاثة أيام، مدير عام المكتبة الوطنية، الدكتور نضال العياصرة، وتشارك فيه 18 دولة، هي: الأردن، وفلسطين، وسوريا، والعراق، ومصر، ولبنان، وسلطنة عمان، وقطر، والسعودية، والكويت، والسودان، والجزائر، وليبيا، وماليزيا، وتركيا، وكازاخستان، وبريطانيا، والولايات المتحدة الأميركية، إلى جانب 45 باحثا وباحثة، من خلال الحضور الشخصي، أو عبر تطبيقات الاتصال عن بعد (زووم)، فيقدمون أوراقا علمية، ويعرضون تجارب وممارسات واقعية ضمن محاور المؤتمر الأربعة.
وقال الرواشدة، في حفل الافتتاح: “تأتي أهمية هذا المؤتمر في مناقشة مفردات ومحاور تتصل بالذاكرة، في ظل تسارع المعرفة، وتحولات وسائلها، وتدفق المعلومات، وتعدد مصادرها”، لافتا إلى أنه يعقد كذلك بمناسبة مرور خمسين عاما على تأسيس المكتبة الوطنية.
ولفت، في الحفل الذي حضره عدد من المسؤولين وسفراء دول عربية شقيقة وصديقة، إلى أن المبنى الحالي للمكتبة أنجز إثر زيارة لجلالة الملك عبد الله الثاني للمبنى القديم، وأمر جلالته حينها ببناء مبنى حديث يليق بدور المكتبة، التي مثلت منارة تضم في أجنحتها كنوزا لا تقدر بثمن.
ولفت إلى أن مشاركة دول شقيقة وصديقة، يمنح المؤتمر والمكتبة الوطنية، وهي تحتفل بيوبيلها الذهبي، قوة ويقينا برسالتها ودورها، والخدمة التي تقدمها للوطن، بوصفها “ذاكرة وطن ورسالة نهضة”.
وأكد أن دور المكتبة يتعاظم في ظل البيئة الرقمية، لحفظ التراث المعرفي والمنتج الإبداعي، الذي يعزز الهوية الوطنية، ويسهم في تدوين السردية الوطنية، لافتا إلى أن المكتبة تسهم كذلك في نشر الوعي والمعرفة في المجتمع، من خلال تنظيم الأنشطة والفعاليات الثقافية.
كما أكد الرواشدة دور المكتبة في مساهمتها الفاعلة بالحفاظ على اللغة العربية، وكونها حاضنة للإبداع، وفضاء للريادة والابتكار، التي تحقق أهداف التنمية المستدامة، لافتا إلى أبرز الأدوار المناطة بالمكتبة الوطنية، والمتمثلة في الحماية القانونية لمصادر المعرفة، في ظل الوصول الحر للمعلومات، والقوانين والتشريعات الناظمة لحماية الملكية الفكرية، في ظل تكنولوجيا المعلومات.
وأشار في كلمته إلى أهمية التعاون الدولي، وتبادل المعرفة بين المكتبات الوطنية، وإلى الشراكات مع المؤسسات التعليمية، لخدمة الطلبة والباحثين والأكاديميين، مؤكدا دور المكتبة في دعم عمليات التعلم المستمر، وإطلاق المنصات الإلكترونية، لتبادل الخبرات والمعلومات، وتطوير الذاكرة من خلال الوسائل التقنية المتاحة.
ولفت إلى أن انتقال المكتبة إلى أدوار جديدة في البيئة الرقمية، يتطلب توظيف التحول الرقمي في المكتبات الوطنية، لاستشراف المستقبل، واستخدام تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي في المحافظة على مصادر المعرفة ونقلها للأجيال القادمة.
وأعرب عن أمله في أن يخرج المؤتمر بعدد من التوصيات التي من شأنها الارتقاء بعمل المكتبات، وتعميق شراكاتها، وطرح أفكار تسهم في حفظ التراث والذاكرة والهوية الفلسطينية، وتحديدا في القدس العربية، التي يحمل جلالة الملك عبد الله الثاني شرف الوصاية الهاشمية على مقدساتها الإسلامية والمسيحية.
ونوه بموقف الأردن الداعم للأشقاء في غزة، التي تعرضت مرافقها الثقافية والتراثية للتشويه، ومحاولات المحو، وتدمير الذاكرة من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
وأثنى الرواشدة في ختام كلمته على جهود دائرة المكتبة الوطنية، بمديرها العام وجميع كوادرها، في تنظيم هذا المؤتمر الذي يأتي بمناسبة اليوبيل الذهبي لتأسيسها، مثمنا جهود ودور مديريها وكوادرها السابقين، الذين أسهموا في وصولها إلى ما هي عليه الآن من ازدهار ورفعة.
بدوره، قال العياصرة في كلمته، إن اختيار عنوان المؤتمر لم يأت من فراغ، بل هو نتاج وعي عميق بحجم التحولات الجذرية التي يشهدها العالم اليوم في ظل الثورة الرقمية المتسارعة، وتأثيرها المباشر على مفاهيم الحفظ، والهوية، والوصول إلى المعرفة.
وأضاف، “المكتبات الوطنية كانت عبر العصور مرآة صادقة لثقافات الشعوب، وأداة لحفظ الذاكرة الوطنية، ومصدراً موثوقاً للمعلومة التاريخية والعلمية والأدبية. وكانت دور المحفوظات، من جانبها، الحاضن الرسمي للوثائق والمخطوطات والمواد التي توثّق مسيرة الدولة والمجتمع، وتشكّل جزءاً من هوية الأمة”.
وأشار إلى أنه مع تطور التكنولوجيا الرقمية، برزت الحاجة إلى إعادة التفكير في آليات الحفظ والإتاحة والتوثيق، لافتا إلى أن العصر الرقمي، رغم ما يوفره من فرص هائلة في الوصول السريع والواسع إلى المعلومات، إلا أنه يفرض تحديات معقّدة تتعلّق بأمن البيانات، واستمرارية الوصول، وحماية الخصوصية، والحفاظ على المصداقية والأصالة.
ولفت إلى أهمية المؤتمر بوصفه منصة علمية ومهنية للحوار وتبادل الخبرات والمعارف بين المختصين في مجال المكتبات والمحفوظات في ظل التحولات الرقمية، ومناسبة لدراسة سبل تكييف منظومات الحفظ مع الواقع الرقمي الجديد، دون التفريط بقيم التوثيق، ودقة الحفظ، وأمانة النقل.
وأكد العياصرة أهمية دور المكتبات الوطنية في حماية الوثائق والبيانات، مشددا على دورها في ضمان نقل الهوية الثقافية للأجيال المقبلة، بطريقة تواكب العصر وتحترم الأصول، من خلال حسن الاستثمار في التقنيات الرقمية، وبناء قدرات العاملين، وإعادة صياغة السياسات الوطنية في مجالات الحفظ والوصول، بما يعزز من دور المكتبات والمحفوظات كمؤسسات استراتيجية في رسم المستقبل الثقافي.
وفي كلمة الوفود العربية المشاركة، قال الأمين العام لدار الوثائق القطرية، ورئيس لجنة “ذاكرة العالم” للمنطقة العربية، الدكتور أحمد عبد الله البوعينين، إن هذا المؤتمر يعد منبراً فكريا وعلميا وعمليا يتيح تبادل الخبرات والمعارف، ومناقشة التحديات والفرص التي تواجه المكتبات الوطنية في ظل التحول الرقمي المتسارع.
واكد أن الرقمنة تعد تحولا ثقافيا ومفاهيميا يفرض علينا تطوير استراتيجيات جديدة لحفظ الوثائق والمخطوطات والبيانات التاريخية، وضمان إتاحتها للأجيال القادمة بأمان وجودة واستمرارية.
كما أكد الدور المحوري الذي تضطلع به المكتبات الوطنية في صيانة الذاكرة الجماعية، وتعزيز الهوية الثقافية، وربط الماضي بالحاضر، وتقديم رواية متكاملة لتاريخ الشعوب، داعيا إلى بناء شراكات، وتطوير بنى تحتية رقمية، وتبني سياسات تحفظ هذه الثروة المعرفية للأجيال المقبلة، وعبر عن أمله في أن تكون مخرجات هذا المؤتمر لبنة جديدة في مسار التعاون الإقليمي والدولي في مجال حفظ الذاكرة الوطنية في العصر الرقمي.
وفي كلمة الوفود الأجنبية المشاركة، عبرت مدير عام الأرشيف الرئاسي في جمهورية كازخستان، عليا مصطفينا، عن عميق التهاني بمناسبة اليوبيل الذهبي “للمكتبة”، منوهة الى أن مناسبة اليوبيل تشهد على خمسة عقود من العمل الدؤوب في التوثيق وحفظ الذاكرة التاريخية، والهوية الوطنية، والثراء الثقافي في الاردن.
وأشادت بالتعاون والعلاقات المهنية والفنية القوية التي تربط بين “الارشيف” في كازخستان و”المكتبة والوطنية” في الاردن، مؤكدة استمرارية هذا التعاون بين الجانبين والذي يحمل امكانات لدفعه بشكل أقوى إلى آفاق مستقبلية.
وفي حفل الافتتاح الذي حضره عدد كبير من المكتبيين والاكاديميين والمثقفين والمعنيين، تم عرض فيلم قصير عن مسيرة دائرة المكتبة الوطنية.
وفي ختام حفل الافتتاح، أطلق وزير الثقافة مشروع منصة الفهرس الأردني الموحد، كما سلم بحضور الدكتور العياصرة، دروعا تكريمية لمؤسسة الاذاعة والتلفزيون الأردني، وقناة المملكة لدورهما في الترويج لمنصة وثّق، ودرعا تكريميا لوكالة الانباء الاردنية(بترا) لما قدمته من تعاون في تقديم ارشيف من آلاف الصور ضمن الاتفاقية التي تجمع الجانبين.
كما سلم دروعا تكريمية لمديرية الامن العام وجامعة البلقاء التطبيقية وجامعة الزيتونة الاردنية تثمينا لتعاونها مع “المكتبة”.
وكانت مجموعة موسيقات الأمن العام في بداية الحفل بعزوفات وطنية.
يشار إلى أن المؤتمر يشتمل على محاور “المكتبات الوطنية ودور المحفوظات: النشأة والتطور والأدوار”، و” المكتبات الوطنية ودور المحفوظات في البيئة الرقمية وتحدياتها واستشراف المستقبل”، و”تجارب ريادية للمكتبات الوطنية ودور المحفوظات”، و” المكتبات الوطنية ودور المحفوظات والهيئات الحكومية في ظل التشريعات القانونية”.
وفي جلسة المؤتمر الأولى التي ترأسها بوعينين، شارك العياصرة بورقة حملت عنوان “المكتبة الوطنية الأردنية في 50 عاما”، ومن منظمة التعاون الإسلامي الدكتور جنكيز طومار بورقة عنوانها “تجربة منظمة التعاون الإسلامي في حفظ الوثائق والمخطوطات” ومن مكتبة قطر الوطنية الدكتور محمد زين العابدين كيوان بورقة عنوانها “تجربة مستودع رقمي مكتبة قطر في تعزيز التراث الثقافي”.
وبين العياصرة في ورقته أن دائرة المكتبة الوطنية الأردنية تعد 4 مؤسسات في مؤسسة واحدة؛ إذ أنها مكتبة إيداعية (وطنية) تعنى بمنح أرقام الإيداع بعد الطباعة لتودع في المكتبة، وأرشيف وطني، ومكتب حق المؤلف والذي يتعلق بالملكية الفكرية، وتوطين مجلس المعلومات في المكتبة ومديرها العام مفوض المعلومات ونائب رئيس المجلس، كما تقوم المكتبة بالمهام
الإدارية والفنية لمجلس المعلومات.
واستعرض في ورقته نشأة المكتبة وتطورها وأقسامها، مشيرا إلى أنه تم دمج دائرة المكتبة الوطنية ومركز الوثائق والتوثيق عام 1994 فأصبحت بموجب هذا النظام دائرة مستقلة ترتبط بوزير الثقافة.
وأشار إلى أبرز المهام والمسؤوليات التي تقوم بها المكتبة وتتمثل باقتناء النتاج الفكري الوطني الذي يصدر في المملكة أو خارجها، وجمع وحفظ الكتب والمخطوطات ومصادر المعلومات الأخرى المتعلقة بالتراث الوطني والعربي وبالحضارة العربية الإسلامية والتراث الإنساني.
كما تقوم المكتبة بحسب مديرها العياصرة، بجمع الوثائق الموجودة لدى الوزارات والدوائر والمؤسسات الرسمية العامة، والوثائق المتعلقة بالمملكة، والوثائق الشخصية وحفظها وتنظيمها ونشرها، والقيام بمهام وأعمال الإيداع وفقا لأحكام قانون حماية حق المؤلف ونظام إيداع المصنفات المعمول بهما، وإصدار الببليوغرافيا الوطنية، وتقديم الخدمات المكتبية والمعلوماتية للباحثين والدارسين المستفيدين من مقتنيات الدائرة وغيرها من المهام.
وقال العياصرة، إن دائرة المكتبة الوطنية الأردنية أصبحت حاضنة للثقافة وأنها متاحة للفعاليات الثقافية أبرزها فعاليات إشهار الكتب، لافتا إلى أن المكتبة أطلقت مبادرات عدة منها “كتابك صديقك”، إذ تم توزيع ما يقارب ربع مليون كتاب دعما للثقافة.
وأشار الى العديد من الشراكات مع المؤسسات الوطنية، لافتا إلى أن أحدث إنجازات المكتبة مبادرة “مشفى الوثائق”، وإنشاء المنصات الرقمية.
بدوره تحدث طومار عن مركز الأبحاث والتاريخ والثقافة والفنون الإسلامية والذي تأسس عام 1979 في اسطنبول، ويعد أحد المؤسسات الفرعية لمنظمة التعاون الإسلامي، مستعرضا دور المركز ومهامه في البحث الأكاديمي وتعزيز الحوار الثقافي بين الحضارات والمحافظة على الإرث الحضاري للعالم الإسلامي.
وأكد أن المركز عمل على توظيف الرقمنة في العديد من مشروعاته، خاصة العلوم الانسانية، مبينا أنه توجد في ملف الأرشيف العثماني ما يزيد على 400 ألف وثيقة، 55 بالمئة منها باللغة العربية، إذ قام المركز برقمنتها ووضعها على شبكة الإنترنت.
بدوره، تحدث كيوان في ورقته عن أبرز تجارب المكتبات الوطنية في الحفظ الرقمي للتراث الوطني، وعرض تجربة مكتبة قطر الوطنية أبرزها المستودعات الرقمية في حفظ التراث الوطني، مستعرضا السياسات العامة وسياسات إدارة المحتوى الرقمي لمستودع مكتبة قطر الوطنية.
وفي الجلسة الثانية التي ترأستها رئيسة جمعية المكتبات العراقية الدكتورة فايزة البياتي شارك من الأردن الباحثتان ردينة المومني وإيمان شاهين بورقة حملت عنوان “دور الرقمنة في حفظ واتاحة الارشيفات النادرة.. تجربة
المدرسة البريطانية للآثار في القدس وعمان”، ومن فلسطين الدكتور هشام خليل بورقة عوانها “دور مكتبة الأقصى في حفظ المخطوطات والكتب في خدمة العلم”، ومدير عام الأرشيف الرئاسي في كازاخستان عليا مصطفينا، بورقة عنوانها “تجربة الأرشيف الرئاسي في كازخستان في حقل التعليم .. الشراكات والمشاريع والتطلعات”.
أما الجلسة الثالثة والختامية لليوم الأول من المؤتمر، شارك بها الباحث حمد الله رسمي مرعي من فلسطين بورقة حملت عنوان “توظيف الأدوات التكنولوجية في تيسير الوصول لمصادر المعرفة”، والباحثة ريحاب عثمان محمد إبراهيم من الأردن بورقة عنوانها “واقع المكتبات الوطنية كأداة لتحقيق التنمية المستدامة ودورها في التعليم من وجهة نظر المعلمين”، والدكتور ربيع الفرجات من الأردن بورقة عنوانها “المكتبات الوطنية ودور المحفوظات .. النشأة والتطوير والادوار”.