ما يجب ان يُقال .. بعد إنتهاء السِجال

8 د للقراءة
8 د للقراءة
ما يجب ان يُقال .. بعد إنتهاء السِجال

صراحة نيوز ـ عوض ضيف الله الملاحمة

يبدو لي ان مجتمعنا الأردني مشحون بشحنات سلبية قوية . لذلك في كثير من الأمور يذهب المجتمع في تفسير الأمور بغير محلها ، ويبتعد عن المنطق ، وتنحرف الآراء بعيداً عن العدالة ، التي يفترض ان تكون نهجاً يسعى المجتمع الى تطبيقه في كافة مناحي الحياة .

وبما ان العدالة غائبة في كل شيء اختلت الموازين ، ومن المحزن ان المجتمع نفسه يسعى لعدم تطبيقها أحياناً فيما يتوجب تطبيقها .

الأمر البديهي الذي ذكرته غير مرة ، ان جنسية أي بلد في العالم تكتسب بطريقتين لا ثالث لهما ، وهما : إما بالولادة ، او التجنس . والغالبية المطلقة من الأردنيين اكتسبوا الجنسية الأردنية بالولادة ، من كافة المنابت والأصول كما يُقال — مع أنني لا أحبذ هذه التسمية التي يفوح منها شيئاً من رائحة التمييز ، كما انني أرى انها غير بريئة ، رغم ان المقصود من إطلاقها صهر كافة الأردنيين في قالب الوطن ، لكنها تُستغل بغير ما قُصِدَ منها .

والأمر الذي يتحاشاه كافة الأردنيين ، من كافة المنابت والأصول ، ويهمسون بغيره في مجالسهم الخاصة ، أود ان أطرحه بوضوح شبه مُطلق . وللتحديد ، أقول : الغالبية المطلقة من الأردنيين من أصول ما غرب النهر ، هم أردنيون ( بالثُلث ) ، وغصبن عن (الزعلان والرضيان ) . والسبب ببساطة مطلقة انهم اكتسبوا الجنسية الأردنية بالولادة بعد وحدة الضفتين . وإحتلال الضفة الغربية عام ١٩٦٧ لا يُسقِط الجنسية عنهم ، لأنه تم إحتلالها وهي ما زالت جزءاً من الوطن الأردني . وعليه فإن كافة الأردنيين الذين اكتسبوا الجنسية الأردنية بعد وحدة الضفتين هم أردنيون أُصلاء ، بالمطلق ، شاء من شاء ، وأبى من أبى ، لأنه الواقع المطلق في واقعيته ، وقانونيته ، ومنطقيته ، وعالمية نهجه .

كل ما سبق يعتبر مقدمة ضرورية صريحة ومنطقية للسبب الذي دفعني لكتابة هذا المقال ، الذي هدفه وغايته الوطن الحبيب أولاً وآخراً .

وهنا أبدأ بموضوع المقال ، وهو يتعلق بالصبية الأردنية التي كانت تشارك في إحدى المسيرات دعماً لغزة المنكوبة ، ووصفت رجال الشرطة الأردنية البواسل ، الأحرار بأنهم ( صهاينة ) .

بداية هذا التوصيف المُهين للأردن كوطن ، ولكل مواطن أردني حر تم إستخدامه لأكثر من مرة ضد رجال الشرطة الأردنية ، خلال مظاهرات حرب الإبادة التي يشنها العدو الصهيوني ضد غزة . وفي إحدى المسيرات السابقة نُعتت به الشرطة الأردنية ، بينما يتحاور احد كبار الضباط مع المتظاهرين باسلوب حضاري راقي ، عندما كان المتظاهرون يودون إقتحام مبنى سفارة العدو الخالية .

وللتحليل ، ولتكرار هذه الإهانة لرجال شرطتنا الأشاوس : رجال الشرطة لم يسيئوا للمتظاهرين ، ولم يفرقوا المظاهرة ، وهم يتواجدون بمحيط المتظاهرين لحمايتهم وحماية أمن الوطن من المندسين ، ومن الخلايا النائمة التي تريد شراً بالوطن . كما ان المظاهرات والمسيرات والوقفات الإحتجاجية لم تتوقف منذ ما يزيد عن عام ونصف . ثم كيف تسمح تلك الفتاة لنفسها بنعت رجال شرطتنا الأشاوس بانهم صهاينة !؟ فهذا يعني انها لا تعترض على إجراء معين اتخذته الشرطة ، بل يعني انها
تعتبر رجال الشرطة أعداء ، مع أنهم أبناء الوطن وحُماته . كما يفهم من توصيفها المسيء المُقزز بأن عدائيتها لرجال الشرطة دائمة وراسخة ولا تقبل التغيير . وللتوضيح : فإن عدائنا للعدو الصهيوني سببه إحتلال فلسطين ، ولو تحررت فلسطين منهم لزال شعور العداء للصهاينة الحقيقيين ، بينما ما الذي يمكن ان يزيل عداوتها لرجال الشرطة الأردنية ، وهي يفترض انها أردنية مثلهم !؟

لست مع التعاطف الذي أبداه الكثيرون مع تلك الفتاة لأسباب عديدة ، منها :— أنها أردنية ، فكيف تسمح لنفسها بهكذا إساءة !؟ ثم ان تعاطف البعض معها سببه لأنها ربما من أصول غربي النهر ، وانها منفعلة ، ومتعاطفة مع ما يجري في غزة ، وهذا مبرر واهٍ ، ولا يعفيها ولا يخفف من حجم إساءتها لأنها أردنية بغض النظر عن الأصل والمنبت ، ولن يكون حجم إنفعالها أكثر من أي أردني حُرّ .

ثم الا تطالب المرأة بالمساواة مع الرجل !؟ إذاً يفترض ان تكون مسؤولة عن تصرفاتها وهي تعيها تماماً ، وعليها ان تتحمل نتائج أفعالها .

يضاف الى ذلك ان تكرار هذا الوصف البذيء المسيء لرجال الشرطة لا يمكن ان يكون قد حصل صدفة ، أبداً ، هذا التوصيف سببه تكليف حزبي ، طُلب من الفتاة وغيرها إطلاقه . وإذا كان سبب إطلاق هذا التوصيف البذيء هو الإنفعال ، والتفاعل مع الحدث ، وبساطة او سطحية التفكير ، لماذا لم يكن التعبير بالسب والشتم بالعبارات الدارجة في الشارع الأردني !؟ هذا توصيف لم نسمع به من قبل ، ودوافع إطلاقه مشبوهة ، ولا تريد للوطن خيراً .

وددت ان أقول ما يجب ان يُقال ، بعد انتهاء السجال ، وإسدال الستار على الموضوع بعد عفو ملك البلاد عنها للعِبرة مما سيحدث في قادم الأيام . والجيد ان عفو ملك البلاد أتى بعد ان تمت ( القَرصة ) ، التي فيها عِبرة للجميع .

أُقسم برب العباد ، لو كانت تلك الفتاة إبنتي ، لكان موقفي الإصرار على تنفيذ العقوبة حسب القانون .

أعتبر ان ما حصل من تعاطف هو استغفال للوطن والمواطن . كما حاول البعض استغفالنا عندما تمت الدعوة لإضراب مفتوح حتى يتم وقف الحرب . حيث صرح بعض من كانوا يدعون للإضراب المفتوح وقالوا : نستغرب من التضخيم في موضوع الإضراب ، مع انها دعوة عالمية لوقفة احتجاجية لساعتين . وهذا غير صحيح ومخالف للواقع تماماً لأن الدعوة العالمية كانت لساعتين فقط يوم الإثنين . بينما الإضراب الذي دعت اليه جهات أردنية كان محدداً البدء به يوم الثلاثاء ، على ان يكون إضراباً مفتوحاً لحين وقف الحرب على غزة . أرجو عدم الإستخفاف بعقول الأردنيين .

أنا مع وطني الحبيب ، ومع جيشه العربي تحديداً ، وبلا حدود او شروط ، لأنني أُقدِس عقيدته . وأنا مع أجهزتنا الأمنية بكافة تخصصاتها ما دامت تقوم بواجبها لحفظ أمن الوطن والمواطن ، مع مراعاة تطبيق القانون دون الإساءة للمواطن غير المسيء . واحترامنا الموروث للمرأة مشروط بأن لا ( تَفْجُرْ ) المرأة وتتجاوز كل الحدود ، وأن تحافظ هي على كرامتها حتى تساعد رجال الشرطة على صونها .

وأختم وأقول : أنا مع تسيير المظاهرات ، والمسيرات ، والوقفات الإحتجاجية تفاعلاً مع الأحداث العربية . كما انني مع حرية التعبير وحرية الرأي ، ومراعاة العدالة وتطبيقها . لكن دون ان نبالغ ، او نتغاضى عن المسيء بقصد ، وسبق إصرار ، وارتباط بأي تنظيم يزعزع أمن الوطن والمواطن . ثم هل التعاطف مع غزة يبرر الاساءة لحُماة الوطن ؟

Share This Article